العقوبات الاقتصادية – التراخيص المستهدفة

.
.
.

Mohamed Shaban

 

محمد بشير بن شعبان
(محام معتمد لدى المحكمة العليا في المملكة المتحدة)
5 مارس 2025
ms-legal.co.uk

نعيش في عصر العقوبات، يقوم فيها المجتمع الدولي، بقيادة أقوى الدول، بفرض تدابير تقيد المعاملات الاقتصادية للدول المستهدفة.
وبصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان للمملكة المتحدة دور محوريا في صياغة القرارين 1970 و 1973 في عام 2011 (في ذروة الربيع العربي) الرامية، على الأقل من حيث المبدأ، إلى ضمان حماية ثروة الشعب الليبي من سوء الاستخدام و حماية قيمتها وحفظها للأجيال القادمة.
هذه المبادئ نبيلة ولكن عند فحص كيفية تطبيقها عمليا، غالبا ما يلاحظ فجوة بين النية والتطبيق.
يتولى مكتب تنفيذ العقوبات المالية التابع لوزارة الخزانة البريطاينة المعروف اختصارا بـ (OFSI) مسؤولية ضمان امتثال المملكة المتحدة لقرارات العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب التشريعات الثانوية، وتحديدًا لوائح ليبيا (الخروج من الاتحاد الأوروبي) لعام 2020، والتي تم إصدارها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما تخول هذه اللوائح مكتب OFSI، في حالات معينة ووفق شروط محددة، منح تراخيص لاستخدام محدود للموارد الاقتصادية، في الحالات التي يكون فيها هذا الاستخدام محظورًا بموجب أنظمة العقوبات
عادةً ما تُمنح التراخيص المالية لتغطية الاحتياجات الأساسية لتمكين الأفراد أو الكيانات الخاضعة للعقوبات (الأشخاص المدرجين) من تغطية نفقات المعيشة اليومية، مثل فواتير المرافق والرواتب والإيجارات والرسوم القانونية، وما إلى ذلك.
ونادرا ما تصدر مثل هذه التراخيص لغايات تتعلق بالنشاطات التجارية، وكما نرى لاحقا، يؤدي غياب مثل هذه التراخيص إلى عواقب اقتصادية على الأشخاص المدرجين، وهو أمر لا يفترض أن تسببه العقوبات
وفقًا لوزارة الخزانة البريطانية، هناك ما يقارب 12 مليار جنيه إسترليني من الأصول السيادية المملوكة للهيئة الليبية للاستثمار مجمدة في المملكة المتحدة. ولتوضيح أهمية هذا الرقم، فهو يعادل خُمس قيمة أصول الهيئة الليبية للاستثمار على مستوى العالم، كما أنه يعادل أكثر من نصف ميزانية ليبيا لعام 2024، وفقًا لبيانات البنك المركزي الليبي.
وبمقارنة نسبة الأصول التي تمتلكها هيئة الاستثمار الليبية في المملكة المتحدة مع الثروة الوطنية لليبيا، ومع مراعاة التزامات المملكة المتحدة القانونية الدولية، والاحتياجات الملحّة للشعب الليبي، ينبغي على مكتب OFSI أن يبذل كل ما في وسعه لضمان الحفاظ على قيمة هذه الأصول ضمن نطاق اختصاصه.
من المثير للقلق أنه، على حد علمي، لم يمنح OFSI أي تراخيص تتيح للهيئة الليبية للاستثمار إدارة أصولها في المملكة المتحدة للحفاظ على قيمتها الرأسمالية. فقد أصبحت السندات المستحقة تفقد قيمتها، وأسعار الأسهم في الشركات تتذبذب، والعقارات تتدهور، والأرصدة النقدية تتآكل (على الرغم من أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2769 الأخير يسعى جزئيًا لمعالجة هذه المسألة). وكل هذه الأمور تتطلب تراخيص للإدارة، وإعادة الاستثمار، والتجديد – ليس بالضرورة لتحقيق أرباح، ولكن على الأقل لتقليل الخسائر الرأسمالية.
النتيجة الصافية، وفقًا لشركة العقارات جيمس أندرو أن هيئة الاستثمارات الليبية قد خسرت ما يقارب 200 مليون جنيه إسترليني من الفرص الضائعة في ثلاث عقارات فقط. كما حسب مجلس إدارة هيئة الاستثمار أن الخسائر المتكبدة على الأرصدة النقدية بسبب الفوائد السلبية بلغت 23 مليون دولار خلال العقد الماضي وحده. وقدّرت شركة ديلويت في عام 2020 أن الهيئة خسرت أكثر من 4 مليارات دولار نتيجة تدهور قيمة الأصول، وهو رقم يُرجّح أنه قد ارتفع خلال السنوات الخمس الماضية، رغم أنه لا يقتصر على الأصول المجمدة في المملكة المتحدة فقط.
وقد أكّد مجلس إدارة هيئة الاستثمار الليبية مرارًا أنهم، في ظل الظروف الراهنة في ليبيا، لا يعارضون استمرار فرض عقوبات التجميد من حيث المبدأ، طالما أن الهدف هو الحماية من إساءة استخدام أموالهم بالمقابل فإنهم يقدمون طلبا معقولا تماما وهو السماح لهم بإدارة أصولهم من أجل منع خسائر القيمة الرأسمالية.
في نهاية المطاف، فإن عدم قيام OFSI ونظرائه في العواصم الغربية الكبرى بمنح التراخيص اللازمة للهيئة الليبية للاستثمار أدى، وما زال يؤدي، إلى فقدانها لاستقلالية اتخاذ القرار، وتدهور رأس المال، وزيادة التكاليف الفعلية وفرص الاستثمار المفقودة، بالإضافة إلى مخاطر الاحتفاظ بالأموال في شركات قد تواجه خطر الإفلاس، مما يلحق ضررًا بسمعة الهيئة ويثني المستثمرين الأجانب عن ضخ استثمارات جديدة في ليبيا. علاوة على ذلك، فإن هذا الوضع يسهم في استمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد.
وفي حين أن الإبقاء على العقوبات المفروضة على أصول الهيئة يظل ضروريًا لحمايتها من سوء الاستخدام،
يمكن لمكتب OFSIأن يلعب دورًا ايجابياً في حماية قيمتها الرأسمالية من خلال منح تراخيص خاصة لإدارة الأصول المجمدة تحت إشراف دقيق عبر آليات ائتمانية تخضع لشروط تقارير إلزامية، وإجراء مراجعات دورية لقيمة وأداء الأصول المجمدة للمساعدة في منح تراخيص مستهدفة، بالإضافة إلى ضمان أن أي نشاط إداري للأصول يتماشى مع المصالح طويلة الأجل للشعب الليبي، سواء من حيث الحماية من سوء الاستخدام أو الحفاظ على قيمة رأس المال.